دولة فلسطين
محافظة القدس
القدس .. بوابة السماء مغلقة
عيون مقدسية ترصد حال "الاقصى" بعد اغلاقه

 
 
العاصمة المحتلة / لم تعرف البشرية بوابات للمدينة المقدسة غير أنها بوابة الأرض إلى السماء، وبوابات حجرية تاريخية يعبر عبرها المؤمنون إلى أماكنهم المقدسة.
ولعل تاريخ وضع حكومة الاحتلال بوابات الكترونية على أبواب المسجد الأقصى المباربذريعة فحص المصلين قبل دخولهم لباحاته، سيسجل علامة تاريخية كبيرة في تغيير معالم هذه المدينة.
لليوم الخامس على التوالي تعيش المدينة المقدسة بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، حصارا مشددا، فيما أغلقته قوات الاحتلال بوجه المصلين، ومنعت إقامة الصلاة فيه، أو حتى رفع الأذان، قبل السماح بذلك ظهر الأحد.
ما يسمى "اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع" وافقت على مشروع قانون يمنع تقسيم مدينة القدس، استباقاً لأية تسوية سياسية، وينص القانون على أنه يمنع تقسيم القدس، إلا بموافقة 80 عضوا في الكنيست، حتى ولو كان ذلك في إطار تسوية سياسية مع الفلسطينيين.
القدس تعتبر بوابة السماء عند المسلمين نسبة لحادثة "الاسراء والمعراج" ، حيث  شهدت زيارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حين أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى الأقصى، ثم صعد إلى السماوات العلى.
مدينة القدس كانت محل أطماع المستعمرين لهذه البلاد، لأهمية موقعها الجغرافي آنذاك، بحيث كانت مقامة على أربعة تلال، ومطلة على عدة طرق.
الصهيوني ديفيد بن غوريون رئيس وزراء دولة الاحتلال عام 1948 أعلن "أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية، إلى أن جرى احتلالها بالشكل الكامل في العام 1967، وضم الجزء الشرقي منها في العام 1980، وشددت من إجراءاتها من أجل دخولها، إلى أن جرى بناء جدار الفصل العنصري حول المدينة، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى. 
حكومة الاحتلال تستغل الأهداف الأمنية؛ من أجل تحقيق أهداف سياسية، أو دينية يهودية، ذات استراتيجية بعيدة المدى؛ فهناك مخططات لإقامة كنيس داخل ساحات المسجد الأقصى، الأمر الذي يعزز التقسيم المكاني، كما جرى في الحرم الابراهيمي، عقب جريمة بداخله في العام 1994، حسب ما أفاد خليل التفكجي المتخصص بشؤون القدس.
وبين أنه في العام 1967 كان هناك اجراءات منع دخول أي اسرائيلي للأقصى، بالاتفاق مع وزارة الأوقاف في تلك الفترة، إلا أنه عندما أحرق المسجد القبلي في العام 1969، دفعت الحكومة بقوات من الشرطة إلى داخل ساحاته، وتطور الأمر الى أن أصبح هناك مراكز للشرطة داخله في العام 1980.
 
وقال التفكجي: في العام 1990 عندما حدثت مذبحة الأقصى الأولى، عقب محاولة متطرفين يهود ممن يسمون جماعة "أمناء جبل الهيكل" بوضع حجر الأساس بما يسمى "للهيكل الثالث" في ساحة المسجد الأقصى، فقام أهل القدس بمنعهم، ومنذ ذاك التاريخ استطاع الاحتلال زيادة المراكز الشرطية داخل الأقصى، ووضع الحراسات على أبوابه.
وأوضح أنه عقب اندلاع انتفاضة الاقصى، كان هنالك زيادة في عدد عناصر الشرطة، اضافة الى ما يشهده من اقتحامات من قبل المستوطنين، مشيرا إلى أن ما جرى في ساحاته من حدث أمني، سيرتبط بقضايا اخرى سياسية، وقضايا دينية يهودية، كونه لأول مرة منذ العام 1967 تغلق أبواب الأقصى، وتمنع الصلاة فيه
 
"بوابة السماء" تعرضت لأكثر من احتلال منذ بنائها على يد اليبوسويين بناة القدس الأولين. وهم بطن العرب الأوائل نشأوا في الجزيرة العربية، ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكنعانية، وهم أول من وضع لبنة في بناء القدس". حسب ما أورده عارف العارف في كتابه "المفصل في تاريخ القدس"، الذي شغل منصب رئيس بلدية القدس بين العامين 1950 و1955.
 "في العام 1550 ق.م، أرسل أحد رجال السلطة المحلية في " يبوس"  القدس، رسالة الى فرعون مصر "تحوتمس الاول" يبدي فيها خضوعه، ويطلب منه ان يحميه ضد غارات المعتدين العبرانيين، فجاء لنجدته، ومن ذلك التاريخ أصبح الكنعانيون خاضعين لحكم مصر".
العارف تحدث في كاتبه عن تاريخ المدينة المقدسة منذ إقامتها في العهد اليبوسي، ثم مجيء الكنعانيين، وعن القدس في زمن الفراعنة، ثم احتلال المدينة من قبل بني اسرائيل، وما مرت به خلال العهد الآشوري، والبابلي، واحتلالها من قبل الفرس، متنقلا الى العهد اليوناني، ثم الروماني قبل المسيح، وفي عهد السيد المسيح، وبعد المسيح، والعصر الاسلامي الاول، ثم العصر الصليبي، واستردادها من قبل المسلمين، والغزو المغولي، وصده من قبل المماليك، الى أن جاء  الحكم العثماني، واحتلالها من قبل البريطانيين، ووقوعها تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1967 حتى يومنا هذا .
في العام 15 هجريا، حسب تقديرات المؤرخين، دخل الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس فاتحا والتي كانت تعرف باسم "ايلياء"، عقب معركة انتصر فيها المسلمون، واشترط البطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر المدينة بنفسه، فكتب معهم "العهدة العمرية"، وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية. وغيّر اسم المدينة من "إيلياء" إلى القدس، ونصت الوثيقة "ألا يساكنهم أحد من يهود".
ومنذ ذلك الحين، اتخذت المدينة طابعها الإسلامي وشهدت نهضة علمية في مختلف الميادين، ويعتبر مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان  في الفترة من 682 - 691م من أهم الاثار فيها، وأعيد بناء المسجد الأقصى عام 709م، وشهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين، والفاطميين، والقرامطة، وخضعت القدس لحكم السلاجقة، وهم أخلاط من الترك عام 1071م، حسب ما أورده العارف.
في العام  1099 م، وقعت القدس في أيدي الصليبيين وقتل الصليبيون فور دخولهم القدس قرابة 70 ألفاً من المسلمين وانتهكوا المقدسات الإسلامية، الى ان استطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين.
ولكن الصليبيين نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاة صلاح الدين، في عهد الملك فريدريك ملك صقلية، وظلت بأيدي الصليبيين 11 عاماً إلى أن استردها نهائياً الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244م.
وتعرضت المدينة للغزو المغولي عام 1243/1244م، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259م، وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517م.
في 1616 م دخلت جيوش العثمانيين فلسطين، وقد أعاد السلطان سليمان القانوني بناء أسوار المدينة وقبة الصخرة. وفي الفترة من عام 1831 - 1840م أصبحت فلسطين جزءًا من الدولة المصرية التي أقامها محمد علي ثم عادت إلى الحكم العثماني مرة أخرى.
 وأنشأت الدولة العثمانية عام 1880 متصرفية القدس، وأزيل الحائط القديم للمدينة عام 1898 لتسهيل دخول القيصر الألماني وليام الثاني أثناء زيارته للقدس، وظلت المدينة تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى، وفي اليوم التاسع من كانون الاول للعام 1917 وقعت القدس تحت الاحتلال البريطاني، ودخلت المدينة في عهد جديد، كان من أبرز سماته: زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها، خاصة بعد وعد بلفور، حتى خروج بريطانيا في العام  1948، واحتلال القدس من قبل القوات الإسرائيلية، وتهجير عدد كبير من أهلها.
 الصحافية هبة اصلان احدى المقدسيات التي تهتم بشأن المدينة المقدسة تصف حال الوصول الى القدس العتيقة بقولها :"عشر دقائق فقط، كانت المدة التي تحتاجها للوصول الى باب العامود من منزلها في جبل الزيتون في القدس المحتلة، إلا أن هذا الحال منذ أربعة أيام لم يعد ممكنا؛ بعد إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى، لأول مرة، منذ عام 1969 الجمعة الماضي .
وتضيف :"بأن رحلة الوصول للبلدة القديمة في القدس أشبه "بالسير بين الألغام"، فبين حاجز للاحتلال، وآخر، يوجد حاجز، وتجمعات للجنود في كل زوايا ومداخل البلدة، ومتاريس حديدية تحول دون وصول المقدسيين لبلدتهم.
وتشير أصلان إلى أنها أمضت ما يقارب خمسين دقيقة، حتى تقطع مسافة لا تتجاوز 150 مترا للوصول إلى باب العامود، حتى تمكنت من الوصول للبلدة القديمة، بعد أن غافلت الجنود المتمركزين على الحواجزالى ان تمكنت بعد 12.30 ظهرا من الدخول للمسجد الأقصى برفقة عدد من الصحفيين، بعد المرور عبر البوابة الالكترونية، التي وضعها الاحتلال على مداخل أبواب المجلس، والأسباط والسلسة وأبقى على بقية المداخل مغلقة".
وتبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونما، حيث يحتل ما يقارب سدس مساحة البلدة القديمة، ويتكون من عدة أبنية ومعالم يصل عددها لمئتي معلم، ويشمل كلا من قبة الصخرة المشرفة (القبة الذهبية)، والجامع القِبْلِي (ذي القبة الرصاصية السوداء) الواقع أقصى جنوبه ناحية القِبلة، وللمسجد الأقصى 11 بابا، سبعة منها في الشمال وباب في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب.
خارج أسوار المسجد الأقصى تبقى مشاهد الإغلاق للمحلات التجارية في البلدة القديمة، وحالة الشلل شبه التام سيد الموقف، بعد أن سمح الاحتلال لسكان البلدة فقط بالدخول، وحرم غير ساكنيها من الدخول إليها. قالت أصلان.
وتتابع: "حاولت الدخول للمسجد الأقصى من باب الأسباط إلا أن تعميما من مدير المسجد الأقصى ورجال الدين برفض إجراء الدخول عبر البوابة الالكترونية، فدخلنا من باب المجلس بعد تفتيشنا من قبل الجنود،الوضع صعب، وخطير جدا في القدس عموما، وفي المسجد الأقصى خاصة، ممارسات احتلالية هدفها خلق واقع جديد، وسياسة أمر واقع، وفرضها على المقدسيين والمصليين، كل شيء في القدس مهدد".
داخل الأقصى، تسيطر مشاهد التخريب والدمار على أجزاء كبيرة من مكوناته، رغم محاولة جنود الاحتلال إخفائها بترتيبها، ومحو مشاهد جريمتهم، وانتهاكهم لحرمة وساحات المسجد، وفق أصلان.
وتضيف:" آثار دماء الشهداء ما زالت ظاهرة خلف مكتب مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني، وكذلك قطعة قماش ملطخة بالدماء، تعود لأحد الشهداء، كما تم تدمير جميع أقفال البوابات وإلقائها على الأرض، وكذلك كل ما في المسجد الأقصى حتى الآبار المنتشرة بالمسجد خلع الاحتلال أقفالها واستبدلها أقفال بلاستيكية، كذلك تم خلع قفل ضريح الشهداء عبد القادر، وفيصل الحسيني، وجدهم.
ويوجد في ساحة الأقصى الشريف 25 بئرا للمياه العذبة، ثمانية منها في صحن الصخرة المشرفة و17 في فناء الأقصى، كما توجد بركة للوضوء.
ولم تستطع أصلان الوصول للمتحف وقسم المخطوطات، كونه مغلق، إلا أنها لا تستبعد تدمير محتوياته من قبل الاحتلال، فيما استطاعت أن توثق بعدسة جوالها أثار الأتربة التي تركها الجنود على سجاد المصلى القبلي، والدمار في خزائن وغرف حراس المسجد.
وتتابع: "الاحتلال صادر أجهزة تسجيل الكاميرات من غرفة لجنة الزكاة كما خلع أقفال أبواب مكتب السدنة، وكذلك إلحاق الضرر في بئر زيت في محكمة الاستئناف الشرعية كان يستخدم لإنارة أسرجة المسجد في السابق ".

    



Designed and Developed by