
يصمد اقتصاد محافظة القدس رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لتفريغه من مضمونه الوطني، ورغم السياسات التهويدية التي تستهدف البنية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة. فقد ظلّ المقدسيون متمسكين بمنشآتهم التجارية والحرفية، وبحضورهم في سوق العمل، رغم الحصار المفروض عليهم بالعوامل الجغرافية والسياسية والمالية.
ويواجه اقتصاد محافظة القدس اختلالات بنيوية عميقة، ناتجة بالأساس عن السياسات الإسرائيلية الممنهجة الهادفة إلى إضعاف البنية الاقتصادية الفلسطينية داخل المدينة، فمنذ احتلال المدينة عام 1967، انتهجت سلطات الاحتلال إجراءات تدريجية لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، من خلال الجدار العازل، والحواجز العسكرية، ومنع التواصل الاقتصادي الطبيعي مع باقي محافظات الضفة الغربية، ما أدى إلى تفكيك السوق المحلية وإضعاف التبادل التجاري والخدماتي.
تعد السياسات الضريبية والبلدية الإسرائيلية المفروضة على الفلسطينيين في القدس، أداة ضغط اقتصادية وسياسية في آنٍ واحد، تُثقل كاهل أصحاب الأعمال والمواطنين المقدسيين بضرائب مرتفعة دون مقابل في الخدمات، مما يؤدي إلى إغلاق عدد كبير من المنشآت التجارية سنويًا، ويمنع توسع الاستثمار المحلي، في الوقت ذاته، تُمنح التسهيلات والدعم للمؤسسات الإسرائيلية والمستعمرات داخل المدينة، ما يخلق بيئة سوقية غير عادلة ومختلة لصالح الطرف المحتل.
يعاني سوق العمل في القدس من تبعية قسرية للاقتصاد الإسرائيلي، نتيجة إضعاف القطاعات الإنتاجية الفلسطينية داخل المدينة، ويعمل نسبة كبيرة من المقدسيين في قطاعات إسرائيلية منخفضة الأجر ودون حماية نقابية حقيقية.
ورغم هذه التحديات، لا يزال هناك إمكانيات كامنة لإعادة تفعيل الاقتصاد المقدسي ضمن رؤية وطنية شاملة، حيث تحتاج المدينة إلى تدخلات استراتيجية، تشمل دعم المشاريع الصغيرة، وإنشاء صناديق تمويل وطنية، وربط القدس بمحيطها الفلسطيني اقتصاديًا ومؤسساتيًا. إن تحصين الاقتصاد المقدسي ليس مجرد ضرورة مالية، بل هو ركيزة أساسية في معركة الحفاظ على الهوية والسيادة الفلسطينية في المدينة المحتلة.